-A +A
بشرى فيصل السباعي
تصور أن تكون هناك طريقة لجعل الأسر التي تطلب المساعدات المالية لسداد الفواتير وإخراج المعسرين بالديون من السجن ومساعدات في تكلفة العلاج عبر مواقع التواصل وغيرها قادرة على أداء تلك الالتزامات المالية بدون طلب مساعدة وبدون أن تحصل على قرش مساعدة مالية إضافية من أي جهة، هذه الطريقة ممكنة ولا تتطلب أكثر من إلزام المطاعم والمخابز والسوبرماركت وقصور الأفراح والفنادق وما في حكمها بأن تكون لكل منشأة منها ثلاجة أو حافظة مبردة تضع فيها كل الفائض من الغذاء لديها فيها ليأخذه المحتاجون، فتوفر بهذا على الأسر المحتاجة أكبر مصرف يستهلك دخلهم وهو الغذاء، مما يساعدهم على أداء التزاماتهم المالية الأخرى، كما أنها توفر لهم نوعية غذاء أفضل من التي يحصلون عليها بشراء الطعام، حيث غالبا يقتصر غذاؤهم على أرخص أنواع الطعام وهو النشويات التي تؤدي للسمنة وأمراضها المزمنة كالسكري الذي يمكن أن يؤدي لفشل الأعضاء وبتر الأطراف، ولذا من مفارقات العصر أن الطبقات الأفقر هي الأكثر بدانة لهذا السبب وليس لكثرة أكلهم للطعام، فأقل قدر من تناول النشويات كوجبات رئيسية يؤدي للبدانة، علاوة على أن النشويات فقيرة لجهة الفيتامينات والمعادن والعناصر الضرورية لنمو وصحة الأدمغة والأجساد الناشئة، وحتى السلال الغذائية التي توزعها الجمعيات الخيرية للمحتاجين تقتصر عادة على النشويات كالأرز والمكرونة، وكل المبادرات المتمثلة بجمعيات «حفظ النعمة» وبنك الغذاء السعودي والجمعيات الخيرية ما زالت محدودة الأثر والنطاق، لأن غالب المنشآت التي تهدر الغذاء لا تتعاقد معها على أخذ الفائض لديهم، كما رأينا تقارير صحفية مصورة عن تراكم التبرعات الغذائية المعلبة بالجمعيات الخيرية حتى تنتهي صلاحيتها وتفسد وتصبح غير صالحة للاستهلاك بسبب عدم كفاءة آلية توزيعها، كما أن غالب المحتاجين لا يعرفون عناوين الجمعيات الخيرية، ثم إن وجود تلك الثلاجات بكل مكان يشجع الناس العاديين على وضع تبرعاتهم من الغذاء فيها، وفي ظل استمرار وباء كورونا تعتبر خيارا بديلا عن الموائد الخيرية التي كانت تقام بالمساجد في رمضان ودعت الإجراءات الصحية الوقائية لوقفها، مع العلم أن الفئات التي تحتاج لوجبة إفطار رمضان لديها ذات الحاجة طوال السنة وليس فقط في رمضان، وحتى في موائد الإفطار التي كانت تقام في المساجد كان هناك هدر منكر فيها ورأينا صور أطباق الطعام مرمية في القمامة أمام المساجد دون حتى أن يفتح تغليفها لأن من يجلسون على موائد الإفطار هم عادة من العمالة الأجنبية ولا يميلون لتناول الطعام غير المألوف في ثقافتهم فيرمى، وكان يمكن أن تستفيد منه العوائل المحتاجة لو تم حفظه في ثلاجات خيرية، كما أنه للأسف في ظل شيوع ظاهرة تأخير رواتب العمالة لأشهر وأحيانا لسنوات يضطرون للتسول لتحصيل قيمة طعام يومهم، فهذا الإجراء سيغنيهم عن التسول والذي يمثل مظهرا غير حضاري، بخاصة عندما يُسأل المتسول عن سبب تسوله من قبل المحسنين، وبخاصة إن كانوا سياحا وأجانب، كما أنها تقدم نموذجا ملهما للعالم عن كرم وفرة الغذاء بالمجان في كل شارع للمحتاج، وفوق هذا يشكل الغذاء المهدر عبئا ماليا بالنسبة لتكلفة التخلص منه كنفايات بالنظر لأنه لا تتم إعادة تدويره، ويضاف لكل هذه الاعتبارات العملية المادية اعتبار الحرمة الدينية لإهدار الغذاء، ولذا يشعر الناس بالغضب من صور أكوام اللحوم والأرز والطعام الذي لم يمس مرميا في النفايات أمام المطاعم لأنه لم يجد مشتريا له.